اخبار الرياضة

مشروع القرن الأهلاوي “يفضح” الواقع المرير للكرة التونسية

تجاوز صدى مشروع القرن الذى صرح عنه النادي الاهلي، حدود الكرة المصرية، ليحدث وقعًا كثيرًا فى الوسـط الرياضي التونسي بكافة المتداخلين فيه، والذين أعادوا الي الواجهة، الملف “القديم الجديـد” والخاص بتحويل الانديه لشركات خاصة.

لا يخفى على أحد انّ حال الكرة التونسية وأنديتها متماهٍ بشكل كثير مع الوضع الاقتصادي للبلاد، الذى يعاني مـن مظاهر التخبّط، والتي تتمثل على وجه الشأن فى أشكال نقص السيولة، والتي تعتـبر السبب الرئيسي الذى يقف وراء تراجع نتائـج الكرة التونسية وحضورها المؤثر قاريًا.

الإعلان عَنْ مشروع القرن الخاص بالنادي الاهلي، حرّك دوافع الجماهير التونسية المنبهرة بالمشروع، للتطرق مجددًا لمسألة خصخصة الانديه وإحداث ثورة فى طريقة تسييرها، ووضع حدّ نهائى لمسألة التبعية للدولة.

مشروع القرن التونسي.. ما موانعه؟

بداية، لا يمكن المرور على مشروع الاهلي الجديـد، مرور الكرام، فهو يعتبر ثورة حقيقية على مستوى شمال أفريقيا وحتى العالم العربي فى تسيير الانديه، حيـث بات أقرب الي نماذج التسيير الأشهر عالميًا.

كيف تحوّلت الانديه المصرية تدريجيًا مـن التقوقع الي آفاق الشركات؟

مشروع القرن الأهلاوي هو عبارة عَنْ مدينة رياضية متكاملة وضخمة، تضمّ ستادًا حصريًا بسعة 44 ألف متفرج وجامعة ومدرسة رياضية ومتحفًا ومستشفى وفندقًا أيضًا، اى بمثابة “دويلة دَاخِلٌ دَوْلَةٌ”، سيكلّف إنشاؤها ما يعادل 25.3 مليون دولار، وبمدة إنجاز لن تتجاوز الـ4 اعوام حسب مَسْؤُولِي “القلعة الحمراء”.

مشروع بهذه الضخامة وآليات الإنفاق الهائلة، جميعها أثارت إعجاب الجمهور الكروي التونسي، الذى تساءل عَنْ سبب عدم تنفيذ مثل هذا النوع مـن المشاريع فى تونس، فهل مـن موانع واقعية تجعل “مشروع القرن التونسي” صعب التحقق؟

دون التطرق للملفات الضخمة المتعلقة بضرورة إعادة الدولة لحساباتها فى مسألة وضع الرياضة ضوء مخططاتها الاستراتيجية لاستعادة مكانتها مستقبلًا، ومن أهمها، إعادة تأهيل البنية التحتية الرياضية المهترئة، ولا سيما الملاعب، فإنّ العائق الجوهري، هو قانوني وهيكلي بالأساس.يعدّ “نفي” قانون الهياكل الرياضية لسنة 1995 مـن الوجود واستحداث  قانون جديد، أوّل علاج طارئ للوضع الحالي المحزن للكرة التونسية، التى تراجعت أشواطًا كبيرة مقارنة بجيرانها، فهذا القانون هو المسؤول عَنْ تبعات الانهيار، بعدم مواكبته للاحتراف فى مجال كرة القدم، وإصراره على البقاء فى عصر الهواية، مـن اثناء تكريس تبعية الانديه للدولة فى عملية التمويل والمساعدة والدعم، ورفض تحرّرها واستقلالها ماليًا، وهو ما يهدّد اليـوم أندية عريقة على غرار النجـم الساحلي والنادي الافريقى والصفاقسي، بالاختفاء عَنْ ساحة المنافسة قاريًا وحتى محليًا.

هذا القانون ورغم عرضه على مجلس النواب منذ سنة 2012، إلا أنه بقي فى “الرفوف” بسـبب الصراع العقيم وغير المجدي بين سلطة الإشراف ممثلة فى وزارة الرياضة الذى يرأسها كمال دقيش، والاتحاد التونسي لكرة القدم الذى كان يتولى قيادته الرئيس السابق وديع الجريء، القابع فى السجن حاليًا.

حل مثالي ولكنه غير واقعي

باستثناء مشروع القرن المتعلق بالأهلي، فإنّ النماذج الخاصة بتسيير الانديه حول العالم كثيرة، وتشترك -كلّ حسب رؤيته- فى هامش مهم مـن النجاح، ففي اثناء يتمّ السماح فى إنجلترا بمبدأ “المالك الواحد” الذى له حرية تقرير كل شيء بنفسه (مثلًا الروسي رومان أبراموفيتش لاحقًا مع تشيلسي)، فإنّ ألمانيا تعتمد مبدأ المشاركة بين النادي والشركات الخاصة، بينما أنه فى إيطاليا يتمّ الاعتماد على عَدَّدَ كثير مـن المساهمين فى رئاسة النادي على غرار ما كان يحدث مع الرئيس السابق لنادي يوفنتوس أندريا أنييلي، أمّا فى إسبانيا، التى تعدّ حسب الكثيرين، “النموذج الأفضل” فى هذا الإطار، فإنّ النادي مملوك لجماهيره وترأسه جمعية عمومية منتخبة، كَمَا يقوم بتسيير عملياته المالية والاستثمارية والاقتصادية عمومًا بنفسه مـن اثناء شركات مملوكة له.

ولئن يبقى النموذج الإسباني مثاليًا على مستوى الشكل فى وضعية الكرة التونسية، غير انّه صعب التحقق إن لم نقل “مستحيلًا” على مستوى الواقع، لسبب أساسي، يعود لضعف إمكانيات الانديه التى تفتقر لأبسط عوامل النجاح، على غرار امتلاك ستاد حصري أو نشاطات تجارية وتسويقية كبيرة تدرّ عليها عوائد فلكية، وهو حال عملاقي الليغا، برشلونه وغريمه ريال مدريد.

هل حان الوقت؟

على الرغم مـن الإقرار بصعوبة تطبيق اى مـن النماذج العالميه الناجحة فى الوضع الحالي للكرة والرياضة التونسية بشكل عَامٌ، غير انّ التحرّك نحو التغيير بات أمرًا حتميًا للنهوض مـن الحضيض الحالي، حتـى إن كان مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.

وحتى لا تنظر الكرة التونسية مـن مكان شاهق مغبّة السقوط، فإنّ التفكير العملي والرصين يبدأ بالخطوات الأساسية الموجودة بين يدي الدولة، وهي قطعًا، تعديل قانون الهياكل الرياضية، الذى أكل عليه الدهر وشرب، حتـى يتسنّى للأندية تعزيز مداخيلها عبر الأنشطة التجارية والاستثمارية الضخمة لا عبر اجتهادات ضيقة مـن اثناء محلات صغيرة ومعدودة لتسويق الأقمصة أو بعض التطبيقات والخدمات الخاصة بالهاتف الجوال.

جانب مـن مواجهه سابقة فى دربي الترجي والافريقي (Facebook/clubafricain.com.tn) العمدة سبورت

وإن لم تسارع الدولة التونسية بإيجاد حلّ فى هذا السياق، قد يكون مصير الترجي فى القادم القريب شبيهًا لما حدث لأقرانه مـن كبار الكرة التونسية، لأنّ رئيسه حمدي المدب “حاميه” حاليًا، لن يكون قادرًا فى كل مرة على دفع 20 مليار تونسي (ما يعادل 6 ملايين يورو) لسدّ عجز ميزانية النادي.

فكرة تفعيل دور الانديه ومنحها مسؤولية نفسها، لن تدرّ المنافع عليها فحسب وإنما على الدولة أيضًا، التى ستتخلّص مـن تثقيل كاهل ميزانيتها وعبء تمويل فرقها، بل ستعزّز أرصدتها بأموال الضرائب المتأتية عنها.

السابق
3 تحديات تواجه “أسود الرافدين” فى مباراة إندونيسيا
التالي
ملاعب يورو 2024.. 10 تحف بين افتتاح بميونخ وختام فى برلين